قراءة نقدية لنص هلاوس نفسي
للروائي محي حافظ
بقلم الإعلامية هاله المغاورى فيينا النمسا 🇦🇹
![]() |
الإعلامية المبدعة هاله مغاوري فيينا النمسا 🇦🇹 |
تأتي قصيدة “هلاوس نفسي” في قالب تأملي وجداني، يتناول فيها الشاعر صراعًا داخليًا مع النفس، بين السمو والانكسار، بين الزهد والانتماء القسري إلى عالم ملوث بالزيف. وتتميز هذه القصيدة بلغتها العاطفية المكثفة، وتعبيرها الصريح عن مشاعر القهر والخذلان والغربة الروحية.
ينطلق الشاعر من رؤية قرآنية واضحة عبر استدعائه لأنواع النفس الثلاث:
• “أمارة بالسوء”
• “لوامة”
• “مطمئنة”
وهو بذلك يفتح الباب لتأمل صوفي/فلسفي، لكنه ينقله بسرعة إلى ساحة صراع، لا للتطهر فقط، بل للنجاة من مجتمع فاسد، ومن “أُناس حياتهم لعنة من السماء”.
يتحدث إلى نفسه كما لو كانت شخصية مستقلة، ناصحًا، معاتبًا، محذرًا. النفس هنا ليست خصمًا فقط، بل رفيقة تعب وهو معها في حالة توتر دائم، كأنها المرآة التي تكشف له قبح العالم، فيأمرها بالصمت:
“كم نهيتك عن ذكر الحقيقة مجردة”
“بل الزمي الصمت، فهذا خير لك من مجادلة الآخرين”
لكنه رغم ذلك لا يستطيع الفكاك منها أو السيطرة عليها، فهِي تقاوم، “بعنفوانها تتمرد”، بينما هو يزداد تعبًا، ويميل إلى الانعزال والهرب من هذا الزيف الجمعي.
إعتمد الشاعر فى القصيدة على أسلوب الخطاب المباشر للنفس، وهو أسلوب موروث من أدب الزهد والتصوف، لكنه هنا يأخذ شكلًا نفسيًا سوداويًا.
كما إستعمل الألفاظ توترًا لغويًا ملحوظًا، تتراوح بين الفصاحة القرآنية (“أمارة بالسوء، لوامة، مطمئنة”)، واللغة اليومية الصريحة (“النابحين، الزحام، المهرجين”).
وكرر الأفعال الآمرة (انظري، ارْحلي، عودي، الزمي)، ما يعكس رغبة ملحّة في السيطرة على النفس الهاربة، ويكشف في الوقت ذاته عن هشاشة هذه السيطرة.
القصيدة مشبعة بالصور المعبرة عن النفور من العالم:
• “يتناثر الفتات من أفواههم”: صورة قاتمة للناس الذين لا يعيشون إلا على حساب الآخرين.
• “وجدي لي ولك مخدعا كحمام عربي قديم”: استعارة ذكية للبحث عن النقاء في أبسط الأماكن.
• “لا أرى الذباب ولا أسمع الطنين”: رغبة في السكون، تطهير الحواس من الضجيج المادي والروحي.
المواقف والرسائل:
• موقف وجودي سوداوي: الشاعر يعلن براءته من نفسه، وهو تصعيد كبير في الصراع الداخلي، يعكس أزمة هوية واغتراب شديد.
• رفض الواقع الاجتماعي: هناك احتقار واضح للمجتمع المادي، وموقف رفض حاد “لحياة اللعنة”، وهي رسالة احتجاج رمزي على القيم المعاصرة.
• دعوة للانفصال الروحي: يظهر ذلك في نهاية القصيدة التي تحض على التخلّي النهائي عن النفس: “فلا تعودين… لا تسكني قلبي”.
نقاط القوة في القصيدة:
• العمق النفسي والصدق الشعوري.
• التوازن بين اللغة الأدبية العالية واللغة الواقعية المكشوفة.
• الصور المركبة التي تجمع بين التصوف والوجودية.
• العنوان “هلاوس نفسي” يوحي بجنون أو اضطراب ذهني، لكن النص يبدو أكثر اتزانًا وعمقًا من مجرد “هلاوس”، وربما قصد الشاعر استخدام اللفظة مجازًا لتوصيف التوتر العقلي والنفسي الذي يعيشه.
قصيدة “هلاوس نفسي” ليست مجرد شكوى من النفس، بل هي لوحة نفسية/فكرية ترصد لحظة انفجار داخلي في عالم لا ينصف الصادقين. هي تأمل شعري في الأخلاق، والهوية، والخذلان، بأسلوب شخصي حميم، يُشبه الاعتراف الأخير قبل الانعزال الأبدي.
0 تعليقات