نقوش على جدار قلب متعب للمفكر محمد جاد قراءة تحليلية بقلم: منال الشربيني

  نقوش على جدار قلب متعب




قراءة تحليلية بقلم: د منال الشربيني  🇪🇬

في كتاب " نقوش على جدار قلب متعب" 

للمفكر محمد جاد هزاع

  نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية 

يُعَدُّ عنوان كتاب هزاع، م. ج. (2005).  بمثابة جواز سفر إلى عالم جديد، عالم من التفكير النقدي والتساؤل المستمر. إنه دعوة إلى التحرر من قيود الماضي، من أفكارنا المسبقة، من معتقداتنا الراسخة. إنه دعوة إلى النظر إلى العالم من زاوية مختلفة، إلى البحث عن حلول مبتكرة للمشاكل التي تواجهنا، وفيه يستكشف الكاتب محمد جاد هزاع، مثله في ذلك مثل كامو، موضوع التمرد على القيود الاجتماعية والبحث عن المعنى في الحياة.



يشير العنوان بوضوح إلى الصراع الداخلي الذي يعصف بنا، ذلك الصراع بين رغباتنا وأحلامنا وبين القيود الاجتماعية التي تحاصرنا. إنه صراع بين ما نريد أن نكون وما يُفْرض علينا. هذا الصراع هو المحرك الأساسي الذي يدفعنا إلى البحث عن هويتنا الحقيقية، هوية تتجاوز التصنيفات الاجتماعية والأحكام المسبقة، في تماس مع نظرية فرويد، حيث يأخذنا الكتاب إلى تحليل عميق للصراعات الداخلية التي يعاني منها الفرد على جميع المستويات، ويطرح الكثير من التساؤلات حول كيفية تأثير على السلوك.

إن عنوان الكتاب بمثابة دعوة صريحة للانطلاق في رحلة استكشافية، رحلة البحث عن المعنى الحقيقي للحياة والتخلص من الأغلال التي تكبلنا. في هذه الرحلة، نسعى جاهدين لفهم أنفسنا، لفهم أسباب معاناتنا، لفهم مكاننا في هذا العالم الفسيح. نبحث عن إجابات أسئلة عميقة حول الوجود والمعنى والحياة والموت. نسعى إلى كشف الحقيقة الكامنة وراء الأقنعة التي نرتديها، وراء الأدوار التي نمثله، ومرة أخرى يتماس فكر هزاع مع فكر سارتر/ سارت، حيث يقدم تحليلاً عميقاً للصراعات الداخلية التي يعاني منها الفرد، وكيف تؤثر هذه الصراعات على سلوكه.تذكرنا هذه الرحلة بأننا لسنا مجرد ضحايا للظروف، بل نحن صناع مصيرنا. لدينا القدرة على تغيير حياتنا، على تحقيق أحلامنا، على أن نكون من نريد أن نكون. 

هذا، ويعكس الكتاب، أيضًا، حالة نفسية واجتماعية معقدة، يستعير فيها الكاتب صورة جدار القلب ليكون بمثابة لوحة تجسد آلام وتجارب الحياة الإنسانية. 

في عبارة "جدار قلب متعب" تتجسد رمزية عميقة؛ الجدار هنا لا يمثل فقط حاجزًا ماديًا، بل يشير أيضًا إلى الحواجز النفسية التي يبنيها الإنسان حول نفسه نتيجة للتجارب المؤلمة و الخيبات المتكررة. هذا الجدار يحمي القلب من المزيد من الأذى، ولكنه في الوقت نفسه يعزله عن العالم الخارجي ويحبس المشاعر والأحاسيس بداخله. أما "القلب المتعب" فيعكس حالة الانكسار واليأس التي تنتج عن تحمل هذه الأعباء. هذه النقوش هي بمثابة شهادة على المعاناة والصراع الداخلي الذي يعيشه الإنسان.

استعمل الكاتب عبارات مثل "الكيان والمتأسلمون والغرب والمفتونون" لتجسيد التنوع الثقافي والاجتماعي، والصراعات التي تنشأ نتيجة لهذا التنوع. فهي، من جانب، تعبر عن الانقسامات السياسية والاجتماعية التي تشهدها المجتمعات، ومن آخر، تحاور مسألة تأثير هذه الانقسامات على الأفراد. ويعكس التناقض بين "المنظور الرأسي والواقع الأفقي" الصراع الدائم بين الرؤية المثالية للحياة والواقع المعاش. فالإنسان دائمًا ما يتطلع إلى مستقبل أفضل، ويحلم بحياة مثالية، ولكن الواقع يفرض عليه قيودًا ومحدوديات. تشير عبارة "الأحكام السابقة والتصورات اللاحقة" إلى أن الماضي والحاضر يؤثران بشكل كبير على مستقبلنا. فـ الأحكام التي نصدرها على أنفسنا والآخرين، والتصورات التي نشكلها عن العالم، تحدد إلى حد كبير خياراتنا وأفعالنا.

وعليه، نقول إن العنوان يشكل دعوة للفرد للبحث عن هويته الحقيقية ومعنى حياته في عالم مليء بالضوضاء والضغوط. إنه يحثنا على التعمق في أنفسنا، وفهم أسباب معاناتنا، والبحث عن طرق للتغلب عليها. كما توحي القراءة المبدئية للعنوان بأنه من الممكن ربط هذا العنوان بأعمال العديد من الفلاسفة الذين تناولوا مواضيع الهوية والمعنى والوجود؛ فقد اهتم الفلاسفة الوجوديون مثل كلٍ من سارتر وكامو، على سبيل المثال، بدراسة المعاناة الإنسانية والبحث عن المعنى في عالم خالٍ من القيم المُطْلَقة...


...

يُتْبَع...

إرسال تعليق

0 تعليقات